من الجدير بالذكر ان رمضان شهر يعيد ترتيب علاقات مختلة في دواخلنا مثلما يعيد علاقتنا بصرامة بما نأكله من طعام غير صحي أو زائد عن الحاجة، ويمنحنا نوعا من الهدوء.
ليس ثمة أسوأ من علاقة الإنسان بمعدته، إنه في كل الأحوال يفهمها بطريقة كمن لا يفهمها! وكلما تقدم في العمر زاد سوء الفهم مع أن المعدة ليست جزءا خارجا عن إرادته.
فإذا كانت المعدة بيت الداء فلماذا نتحدث باستعراض وتفاخر عن أن العين تأكل قبل الفم ونقدم المسوغ لأنفسنا لتناول المزيد من الطعام، في تأكيد لسوء الفهم القائم بين أجزاء جسد واحد.
يبدو من الأهمية استعادة الكلام عن سوء علاقة الإنسان بمعدته في شهر رمضان، فالذين يرددون الكلام الديني عن "صوموا تصحوا” لا يستفيدون من دلالته العميقة وإنما لمجرد تكرار الشائع من الأقوال وفق تهجد وتعبد كلامي لا أكثر، بينما حقيقة الأمر أن أغلبهم يسرفون في الطعام بعد الإفطار مضيعين الفرصة لتحسين علاقتهم بمعدتهم، فيما هي تبعث برسائلها المؤذية كل يوم علهم يكبحون دناءة أنفسهم.
لا توجد أفضل من فرصة صيام شهر كامل للأشخاص الذين يعيشون سنة حافلة بالعمل ترتبك فيها مواقيت تناولهم للطعام والشراب، سيكون من الفائدة الجمة أن يتوقف المرء عن تناول الطعام والشراب دون أن يخل بطريقة عمله وإنتاجه، سينسى في شهر الصيام وجع المعدة والحموضة المتصاعدة صباح كل يوم بعد ليلة حافلة بالكلام والطعام والشراب والتدخين!
سيكتشف أن الصوم أداء صحي ونفسي مثير، إن لم يتخذه بسبب دافع ديني فليتخذه بدافع اجتماعي أو صحي، من أجل إعادة طريقة التعامل مع جسده.
كان صديقي غير المسلم مبهورا بفكرة الصيام الكلي عن الطعام مع تحفظه على عدم شرب الماء خوفا من تضرر الجسد، لكنه شاركني الصيام في تجربة مثيرة وشعر بصعوبة خلال الأيام الثلاثة الأولى، وتكيّف بعدها في الأيام الأخرى وذُهل من قدرته على عدم تناول الكحول حتى بعد الإفطار، لم يكن معنيا بالفلسفة الدينية للصيام بصفته فرضا واقتنع بالصيام كأداء صحي مبهر وهذا ما كنت أقوله مسوغا له سبب صيامي.
وفي كل الأحوال قد أبدو أنانيا أكثر مما ينبغي في تفسيري هذا للصيام باعتباره فرضا دينيا قائما، لكنني في كل الأحوال لا أختلف مع فلسفة الصيام الدينية ولا أزعم بوضع تفسير آخر له، بقدر ما أتفق معه بطريقة قد تبدو متطرفة لرجال الدين، ولكن من أجل صحة الإنسان وإعادة النظر في علاقته مع الطعام بوصفه مسرة وليس ضررا.
from الموسوعة بوك http://ift.tt/1REsdED
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق