هبوط الإنسان على سطح القمر، فيروس الإيدز، اللقاحات سبب للتوحد، الاحتباس الحراري، المخلوقات الفضائية، المجتمعات السرية التي تحكم العالم، وغيرها الكثير من الأحداث العلمية والسياسية والاجتماعية قد فُسّرت من قبل أشخاصٍ يمتلكون نمط تفكيرٍ يشرح كل شيءٍ على أنه مؤامرة.
تُعرف نظرية المؤامرة عادةً على أنها محاولةٌ لشرح الأسباب النهائية لحدثٍ مجتمعي هام على أنه جزءٌ من مؤامرةٍ شريرةٍ استُحضرت من قبل تحالفٍ سريٍ يضمُّ أفراداً ومنظماتٍ فائقة القوة، وقد أشار العديد من العلماء النفسانيون إلى أن نمط التفكير بنظرية المؤامرة مشابهٌ لمرض جنون الشك والوهم (paranoid)، ومع ذلك فإن تحديد طبيعة الاختلال النفسي لا تزال قاصرة، لأن نظريات المؤامرة ليست مجرد تصوراتٍ غير قابلة للتصديق صادرة عن أقلية مصابة بجنون الشك، وعلى سبيل المثال؛ أظهرت استطلاعاتٌ للرأي في الولايات المتحدة أن 37% من الأمريكيين يعتقدون أن الاحتباس الحراري هو خدعة، 21% اعتقدوا بوجود أدلةٍ تم إخفاؤها حول وجود مخلوقاتٍ فضائية، 28% يؤمنون بوجود عصابة سرية من "النخبة" يتآمرون ليحكموا العالم وفق أجندتهم، وفي أيّ مكانٍ من أمريكا تتراوح النسبة بين 6% إلى 25% يعتقدون بأن الهبوط على القمر مُلفَّق ولم يكن سوى فيلم هوليودي!
أُخذت النسب السابقة ضمن مجتمعٍ يتّسمُ عموماً بانتشار العلم والثقافة، أما ضمن مجتمعاتنا ومن أجل أمثلةٍ مُستمدّةٍ من طبيعته فإن النسب ستكون مفزعةً بكل تأكيد!
لماذا يعتقد العديد من الأشخاص بنظريات المؤامرة؟ بالطبع لا يمكن لجميعهم أن يكونوا مصابين بجنون الشك أو الفُصام!
أظهرت دراسة قام بها مجموعة من العلماء في جامعة Kent في انكلترا بعض الرؤى والتفسيرات المحتملة لذلك، فمثلاً؛ غالباً ما يكون الأشخاص الذين يعتقدون بإحدى نظريات المؤامرة أكثر ميلاً لأن يعتقدوا بنظريات مؤامرة أخرى، ومن الممكن حتى أن تكون تلك النظريات متناقضة والاعتقاد بإحداها يعني منطقياً أن تكون الأخرى مُلفقةً حتماً! وأفادت الدراسة بأن الناس قلّما يميلون للإيمان بنظرية المؤامرة بسبب تفاصيلها، وغالباً ما يؤمنون بها بسبب معتقداتٍ لديهم تدعم نمط تفكير المؤامرة بشكل عام، فالبعض ينظر إلى أحداث العالم من خلال عدسته الإيديولوجية الخاصة، كما أن الاعتقاد بنظريات المؤامرة يظهر غالباً عند الأشخاص الذين يشعرون بفقدان القوة، والارتياب، ونقص عامٍ بالسيطرة، فتساعدهم تلك النظريات على إدراك العالم من حولهم عبر تزويدهم بتفسيراتٍ بسيطة لأحداث مجتمعية معقدة، وبالتالي إعادة الإحساس بالسيطرة والمقدرة على توقع الأحداث.
بعض الدراسات لم تقل أن جميع نظريات المؤامرة غير صحيحة بالمطلق، لكنها أوجدت مؤشرات معينة يمكن من خلالها تمييز نظريات المؤامرة التي يُرجّح أن تكون غير صحيحة، ومن أبرز تلك المؤشرات:
- أن يكون برهان المؤامرة نشأ افتراضياً من نموذج الربط بين أحداث لا تحتاج لأن تكون مرتبطة سببياً.
- أنّ المُتآمرين (المُفترض وجودهم) قد يحتاجون إلى قدرات فوق بشرية لتحقيق أهدافهم.
- أن تكون نظرية المؤامرة تضخمت من أحداثٍ صغيرة قد تكون حقيقية إلى أحداث كبيرةٍ جداً واقل احتمالية.
- أن تميل النظرية إلى مزج الحقائق مع التخميناتٍ دون التمييز بينهما.
- أن يكون واضعوا النظرية من المرتابين بشكلٍ عشوائيٍّ من كل المنظمات الحكومية أو الخاصة.
- وأهم مؤشرٍ هو رفضُ واضعي النظرية بشكلٍ قاطعٍ لأخذ أي تفسيرات بديلة للأحداث بعين الاعتبار، ونبذهم لأي دليلٍ أو بحثٍ لا يؤيد أو يدعم ما حددوه مسبقاً بأنه الحقيقة.
وقد قال الفيلسوف الكبير كارل بوبر أن مغالطة نظرية المؤامرة تكمن في ميلها لوصف كل حدثٍ على أنه "مُتعمّد" أو "مخططٌ له"، وبالتالي التقليل بشكلٍ خطيرٍ من الطبيعة العشوائية للنتائج الغير مقصودة للعديد من الإجراءات السياسية والاجتماعية.
أخطر ما تُخلّفه نظرية المؤامرة هو ارتباطها برفض العلم! فوفق بحثٍ نُشر في مجلة علم النفس (psychological science) يحقق في العلاقة بين قبول العلم وبين أنماط التفكير المؤامراتي، وجدت النتائج أن الاعتقاد بنظريات مؤامراتية متعددة يتنبأ بشكل ملحوظٍ برفض استنتاجاتٍ علمية هامة، فيصبح العامة غير مُبالين بالمواضيع الاجتماعية والسياسية والصحية، مثلاً؛ الكثير من الأمراض التي أوشكت أن تنقرض بفضل العلم تعاود الظهور اليوم بأرقامٍ كبيرة نتيجة رواج نظريةٍ مؤامراتيّةٍ مفادها أن اللقاحات تؤدي للإصابة بالتوحد! كما وجدت دراسةٌ تناولت الأشخاص الذين يعتقدون بأن الاحتباس الحراري هو خدعة هدفها السيطرة على العالم أن هؤلاء الأشخاص كانوا أقل رغبة في التعاطي الاجتماعي والسياسي وأقل رغبة في تحقيق تغيرات سلوكية فردية كإنقاص التأثيرات الكربونية مثلاً، بالإضافة لمثالٍ آخر عن مؤامرةٍ مفترضةٍ تقول بأن فيروس الإيدز أُنتج من قبل مؤسساتٍ طبية كسلاح بيولوجيٍ لمحو أقلياتٍ سكانية معينة، تلك النظرية قد تقود إلى سلوكٍ جنسيٍ محفوفٍ بالمخاطر أو لمواقف سلبية من الدواء والتزامٍ علاجيٍ منخفضٍ عند المصابين بذلك الفيروس، إضافةً لنظريات مؤامراتيّة أخرى يمكن أن تؤدي لنتائج مروعة، وتسبب ارتياب الناس وتهدم النقاش الديمقراطي عن طريق تشتيت الانتباه بعيداً عن القضايا العلمية والاجتماعية، وبالطبع هذا لا يعني بأننا لا يجب أن نطالب أي جهةٍ أو منظمةٍ بأن تعطينا معلوماتٍ حقيقية، وأن نُعَرّض تلك المعلومات لكمية صحية من الشك، لكن ليس هذا ما تقدمه نظرية المؤامرة!
كل ما سبق يجعلنا نعتبر أن نمط تفكير نظرية المؤامرة يقودنا للكثير من العلوم الزائفة، فمع أنّ كُلاً من نظريات المؤامرة والنظريات العلمية الحقيقية يحاولان تفسير العالم من حولنا ويبسّطان لنا الكون المعقد بتحويل العشوائية إلى سببية، إلا أنهما يختلفان بشكل كبير، فالنظريات العلمية يجب أن تكون قابلة لإثبات صحتها أو خطئها إن وجد، ويجب أن تكون قادرة على صنع توقعات موثوقة عن عالمنا، وإذا تبيّن أن تلك التوقعات غير صحيحة فعلى النظرية أن تُصرّح بخطئها، أما نظريات المؤامرة فهي على النقيض صعبة الدحض أو إثبات البطلان، وباستطاعة مؤيديها الاستمرار بإنتاج النظريات على نحو متزايد بحيث تكون مصنوعةً لتلاءم المستجدات الجديدة، وبالنهاية فإن أي معلومة تناقض نظرية المؤامرة يكون الرد عليها: بالطبع، "هم" يُريدونك أن تُفكّر هكذا!
إن نظريات المؤامرة يمكن أن تستهوي الكثيرين، ويمكن أن تقودهم لحالة من الطمأنينة والراحة النفسية، لكن ما يجب قوله؛ لسوء الحظ، الحقيقة ليست دائماً مريحة..
المصادر:
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
هنا
from انا مسلم http://ift.tt/1s2L6JE
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق