هناك فكرة سائدة عن أن الحرباء بمقدورها تغيير لونها لتتماهى مع الوسط المحيط بها، بحيث يصعب تمييزها.
أما الحقيقة فتتمثل في أن تغيير الحرباء لونها، في بعض الأحيان، يكون أكثر ارتباطا بالتزاوج.
بالإضافة إلى هذا، تتمتع هذه الزواحف بعيون مميزة، وألسنة سريعة الحركة. وهناك نوع من الحرباء يقضي وقتا داخل البيض أكثر من ذاك الذي يقضيه خارجه.
الكل يعلم أن بوسع الحرباء تغيير لونها، لكن لماذا تفعل ذلك؟
لتفترض أن لديك الخيارات الثلاثة التالية للإجابة: الأول، لتتماهى مع الوسط المحيط بها بحيث يصعب يمييزها، والثاني، للحصول على شريك للتزاوج، والثالث، لإثارة إعجاب البشر.
أعتقد أن غالبية الناس سينحازون غريزياً إلى الخيار الخاص بالتخفي والتمويه، لكن الإجابة الصحيحة هي الخيار الثاني الخاص بالتزاوج.
على أي حال، ليست هذه قاعدة ملزمة بشكل صارم، إذ أن هناك بعض الأدلة التي تفيد بأن السلوكيات الغريبة التي تتبناها الحرباء فيما يتعلق بتغيير لونها يمكن أن تكون بغرض التخفي.
فعلى سبيل المثال، يبدو أن الحرابي القزمة المنتمية لنوع "براديبوديون تانيابرونتشْم" تعمل على محاكاة الوسط المحيط بها بشكل أكبر عندما تكون بصدد مواجهة حيوان مفترس لديه قدرة أفضل على تمييز الألوان التي يراها.
حرباء من نوع "حرباء النمر" المعروفة علميا باسم (فُرْسيفر بَرداليس) تلتهم حشرة من نوع فرس النبي.
رغم ذلك؛ فبالنسبة لغالبية الحرابي، لا يرتبط تغيير اللون سوى بالسعي للحصول على شريك للتزاوج.
يقول كريستوفر كارستِن، وهو عالم في مجال البيئة يعمل في جامعة كاليفورنيا اللوثرية بمدينة ثاوساند أوكس، إن غالبية الحرابي تُحاكي الوسط المحيط بها بكفاءة كبيرة في بيئاتها الطبيعية الأصلية.
ومن هنا فعندما تغير هذه الحرابي لونها فإنها تميل إلى جعل أنفسها أكثر بروزا ووضوحا. ويقول كارستِن إنها تفر بذلك "من حالة الغموض والتخفي".
وغالبا ما تستخدم ذكور الحرابي التي تتنافس على إناثها سلاح تبديل هيئتها عبر تغيير ألوانها في إطار الصراع الضاري فيما بينها. كما يشترك الذكور والإناث في محاولة التأثير في بعضها البعض عبر جعل الدم يتألق بألوان مختلفة.
وهكذا، فإن استخدامنا لفظة "حرباء" لوصف من نرى أنه ذو شخصية متقلبة ومتلونة ومتحولة إلى حد ما، يعني أننا نفهم مسألة تغيير الحرباء للونها بشكل خاطئ.
فربما لا تكون الحرباء بصدد التصرف بشكل ينطوي على الدهاء والمراوغة حينما تخوض غمار عملية تغيير لونها، بقدر ما يرتبط سلوكها في هذه الحالة بكونها في حالة استثارة جنسية.
بجانب ذلك، لا تتم عملية تغيير اللون على الشاكلة التي قد يتوقع المرء أنها تمضي عليها كذلك.
فقد يفترض معظمنا أن هذه العملية تُنْجَزُ باستخدام أصباغٍ أو مواد ملونةٍ ما. ولكن دراسة نُشرت في مارس/آذار 2015؛ أشارت إلى أن الخدع اللونية في هذه الحالة لا ترتبط بالكيمياء؛ لا من قريب ولا من بعيد.
عوضاً عن ذلك، تبين أن هناك طبقتيّن متراكبتيّن من البلورات النانوية مدمجتان في خلايا الحرباء. ومن ثم؛ يمكن للحرباء أن تعكس ظلال ألوانٍ مختلفة عبر تغيير مواضع هذه البلورات.
ولا تنحصر مميزات الحرابي في قدرتها على تغيير هيئتها فحسب، بل إنها تتمتع كذلك بكفاءة استثنائية في استخدام أعينها.
حرباء من نوع "حرباء النمر" المعروفة علميا باسم (فُرْسيفر بَرداليس) وهي تمد لسانها لالتقاط شيء ما
ففي دراسة محكمة نُشرت في يوليو/تموز 2015، اختبر باحثون في علم الحيوان قدرة الحرابي على تتبع جسمين متحركين، وهما يمضيان هنا وهناك على شاشة أحد أجهزة الحاسب الآلي. وتبين أنه كان بمقدور كل من الحرابي - التي خضعت للدراسة في إطار هذه التجربة- تقسيم نظرتها بين شيئيّن مختلفيّن، إذ تتبعت كل عين من عينيّها جسماً متحركاً مختلفاً.
في نهاية المطاف، بدا أن هذه الزواحف حزمت أمرها، وحددت خيارها، لتثبت كل منها كلتا عينيّها على الهدف نفسه. وهكذا فبالتحول لرؤية مجسمة، يوفرها النظر بكلتا العينين على الجسم ذاته، يصبح بوسع الحرابي أن تحدد - وبشكل أكثر دقة - بُعْدَ مثل هذا الجسم عنها، ومن ثم المسافة التي يتعين عليها مد ألسنتها إليها للوصول إليه.
وبالحديث عن الألسنة، يجدر بنا القول إن لسان الحرباء جدير بالتقدير والاحتفاء، تماما مثل جلدها متعدد الألوان. فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2004، واستُخدمت فيها لقطات لأشياء صُوّرت بالحركة البطيئة، أن الحرباء تُطلِقُ لسانها باستخدام آلية مرنة على نحو بارع للغاية، شبيهة بتلك المستخدمة في الآلة الحربية المعروفة باسم المنجنيق.
وكشف الباحثون عن أن السرعة القصوى للسان الحرباء العملاقة وحيدة القرن تصل إلى ستة أمتار في الثانية الواحدة. وبهذه السرعة، بوسع تلك الحرباء الوصول بلسانها إلى فريسة - تبعد عنها بمسافة تزيد بواقع مرة ونصف المرة عن طول جسدها هي، خلال أقل من عُشر ثانية.
ويشير كل ذلك إلى أنه لا يزال هناك الكثير مما نجهله بشأن الحرابي.
حرباء من نوع (بروكيشا مايكرا) وهو أصغر نوع من الحرابي معروف في العالم
وبحسب أحدث إحصاء نُشر عام 2015، اعتمد خبراء التصنيف الإحيائي وجود أكثر من 200 نوع من حيوان الحرباء في العالم. ويعيش نصف هذه الأنواع تقريبا في مدغشقر.
ومن بين هذه الأنواع؛ "بروكيشا مايكرا" الذي تنتمي له الحرابي الأصغر حجما على الإطلاق في العالم. واكُتشف هذا النوع عام 2012 في جزيرة صغيرة المساحة تحمل اسم "نوسي هارا"، وهي نفس الجزيرة التي اكتشف عليها مؤخرا، وبشكل عرضي، مجموعة لم تكن معروفة من قبل من حيوانات "الليمور القزم".
ويبدو أن طول ذكور الحرابي من نوع "بروكيشا مايكرا"، من الخطم وحتى فتحة الشرج، لا يتجاوز 1.6 سم.
وخلال إعداد كارستِن لرسالته للدكتوراه، اكتشف وجود حرابي أخرى تتبع نمط حياة غريب الأطوار بلا ريب.
ففي عام 2003، وأثناء أول مواسمه للعمل الميداني في غرب مدغشقر، عانى كارستِن كثيرا لجمع بيانات بشأن نوع يحمل اسم "حرباء لابورد"؛ يُعرف علمياً باسم (فُرْسيفر لابوردي).
ويقول الباحث في هذا الشأن إنه تمكن من العثور على حرابي من هذا النوع وهي في طور البلوغ "ولكن بعدد محدود للغاية".
ويمضي كارستِن قائلا: "لم أستطع العثور على أيٍ منها وهي في مرحلة ما قبل البلوغ" أو في ما يسبق ذلك من مراحل.
ويخلص الباحث للقول إنه ليس بمقدوره توضيح كم كان محبطاً حينذاك. ويضيف أنه شعر "أن الأمر كله ليس إلا فشلا".
لا تطول حياة الحرابي من نوع "حرباء لابورد" - المعروف علميا باسم (فُرْسيفر لابوردي) - كثيرا
ولذا، ففي عامه الثاني من الدراسة، توجه كارستِن إلى مدغشقر في وقت مبكر قليلا عن المرة السابقة. وفي هذه المرة، وجد الرجل - كما يقول - عددا أكبر من الحرابى المنتمية لهذا النوع "ولكنها كانت أصغر حجما بكثير".
وأثار ذلك فكرة في ذهن كارستِن مفادها أنه ربما تكون الزواحف المنتمية لنوع "حرباء لابورد" لا تعيش "سوى لسنة واحدة فحسب".
على أي حال؛ تبين أن لدى حرابي هذا النوع إحدى أقصر دورات الحياة على الإطلاق؛ بالنسبة لكائن فقاري يسكن الأرض.
فبيض هذه الزواحف يُوضع كل عام في شهر فبراير/شباط أو نحو ذلك، حيث يبقى لمدة ثمانية أشهر في ما يمكن وصفه بحالة "نمو مع وقف التنفيذ".
وعندما يبدأ هطول الأمطار في أكتوبر/تشرين الأول تقريبا، تبدأ الحرابي الصغيرة في الخروج من البيض. وتصل هذه الزواحف إلى طور البلوغ في غضون أشهر قليلة، وذلك لتتكاثر، ومن ثم تهلك وتفنى.
ويقول كارستِن إن الحرباء المنتمية لهذا النوع "تقضي غالبية شهور العام في صورة بيضة، وليس كفرخٍ خرج منها".
وبينما يشيع ذلك بين الحشرات، التي تقضي غالبا شهورا طويلة في صورة يرقة أو دودة قبل أن تمضي فترة قصيرة في طور البلوغ، فإن حدوثه بين كائنات فقارية يشكل أمراً عجيباً وغير مألوف.